عندما نطالع اخبار المرأة في العراق, نمسك انفاسنا للمفاجئات التي تسطرها الاحداث كل يوم, حتى لكأن هناك اجماعا على ان المرأة في العراق مخلوق ادنى من مستوى البشر, فنراه ُيـُهمش ويتم التغافل عن معاناته على كل الاصعدة وبكل المستويات وان كانت المرأة عضوة في البرلمان, فالمرأة مرأة كما يقول العرب, ويقصدون انها لا بد وان تحتمل وتتعذب وتضحي بكل حياتها حتى من اجل لا شيء, اذ يقع عليها وحدها شرف العائلة, والعشيرة, والوطن, وحتى شرف العرب وشرف الاحزاب التي لا يشكل سلوك قادتها أي شيء, وان كانوا فاسدين ويمارسون كل انواع الرذائل المعروفة وغير المعروفة داخل اوطانهم ام خارجها, فالفضيلة اصبحت الكتمان وسرية العمل السيء, والرذيلة هي الصراحة والصدق والوضوح في التعامل والاعتراف بالخطأ..
ومهما كان وضع المرأة في بلدان عربية لكنه اقل وطأة منه في العراق المقتول يوميا. هذا لايعني ان المراة العربية في وضع تحسد عليه, فالمجتمعات العربية قاطبة لاتعترف بخطورة وجود فئة مقهورة ومهمشة تشكل اكثر من نصف المجتمع, فئة مستخدمة لتسيير حياة الاخرين كعجلات العربة الدائرة بلا توقف ولارحمة, مهما كانت وعورة الارض السائرة عليها. المجتمعات العربية لا تعترف بتأثير القهر الاجتماعي على الصحة النفسية لأبنائها وخلق امراض اخلاقية تؤدي بالمجتمع الى الانهيار والسقوط والتراجع وعدم مواكبة العصر..
وان كانت السلطات التي تقود مجتمعاتنا لا يعنيها غالبا ماسيؤول اليه ظلم فئة او فرد ما , والمهم عندها هو البقاء في الحكم والتسلط واستنزاف خيرات البلد - مثلها مثل الاستعمار تماما- دون التفكير بشكل, وإسلوب, ومستوى الحياة التي يعيشها ابناء ذاك البلد. ومادام وضع السلطات الحاكمة بهذا الشكل, فلا نستغرب من تفشي الأمية والبطالة ونشوء طبقة من الطفيليين والانتهازيين وتفشي الرشوة والفساد وكل انواع الجرائم التي من شأنها تخريب تلك المجتمعات وانحدارها الحضاري, وضياع بعض فئاتها في المخدرات والأوهام والتعصب الذي يقود الى الارهاب والعنف والدمار..
لااريد هنا ان اطلب من الحكومات العربية- من منطلق العروبة الذي يصدعون به رؤوسنا في الاذاعات والفضائيات – الاهتمام بوضع المرأة العراقية المأساوي, الذي يشكل كارثة بشرية هائلة, تضم ملايين الأرامل والمطلقات والعوانس والمشردات والفقيرات والباحثات عن لقمة العيش في القمامة والطرق, ولا أطالب الشعوب العربية التي لاحول لها ولا قوة بتغيير وضع المرأة العراقية, اذ ان هذه الشعوب مغلوب على امرها فاقدة للقدرة على اسناد ذاتها اصلا, كما انها تعاني من بعض الهموم والامراض التي يعانيها اهل العراق, لكنني اعتب على المثقفين العرب الذين يهملون هذا الوضع في كل نشاطاتهم ومهرجاناتهم وندواتهم العربية وفي فضائياتهم واعلاناتهم, اعتب على الأدباء واصحاب الإتحادات والمؤسسات الثقافية العربية والجمعيات والأندية- ان كانوا أحرارا - لأهمالهم حالة ملايين من البشر سائرة الى الموت والهلاك والانحطاط .
ها انا اتابع - ولو على بعد- اغلب مهرجانات المثقفين العرب من المشرق الى المغرب العربي التي تخلو غالبيتها من طرح معاناة المرأة العراقية ككارثة لابد من التوقف عندها وايجاد الحلول الناجعة لها. وها انا اتابع الفضائيات العربية التي تتناسى هذه الكارثة وان مرت عليها فمن باب الإثارة وليس الشعور بالمسؤولية.
اين من يتشدقون بالشعور القومي اذن, هل المرأة العراقية قادمة من القوقاز او من جبال الانديز؟
واين من يتشدقون بالمسؤولية الاسلامية عن اعضاء الجسد الواحد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟
وأين المتشدقون بانسانية الثقافة ودورها في بناء الوعي الحضاري للإنسان العربي؟
اخيرا اقول:
مهرجاناتكم ولقاءاتكم ايها العرب ان كانت ثقافية أوانسانية او سياسية او علمية ستكون ناقصة الاهداف, مطعونة بنجاحها ان أغفلت ملف المرأة العراقية والتمثيل الثقافي لهذا الملف الذي ينوء بكل هذا الثقل المرعب والذي فاق كل معاناة العرب في كل تواريخهم منذ البداوة حتى اليوم.
كنت قد كتبت هذا المقال قبل ان اعرف برفض المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الطلب المقدم من اتحاد ادباء العراق لإعادة عضويته, وحينما عرفت بذلك الرفض شعرت بمسؤولية اكبر لنشر المقال اليوم, اذ لو كان هناك تفهم لحجم الكارثة الثقافية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع العراقي, والتي ابرز مظاهرها النظرة الدونية للمرأة, مما يطيل معاناتها وتهميشها وبالتالي انعكاس ذلك على جميع افراد المجتمع. لما جاء ذلك الرفض غير المستند على اية حجة مقنعة.
مع كل الامتنان لموقف العديد من اعضاء الاتحاد الذين اصروا على عودة اتحاد أدباء العراق مثل اتحاد ادباء المغرب الذي هدد بالانسحاب من الاتحاد ووقف مع مثقفي العراق موقفا مشرفا هو موقف المثقف الحقيقي الحريص على الثقافة بعيدا عن الانهيارات السياسية التي تشق مجتمعاتنا وتعصف بها عصفا حيث المرأة أولى ضحاياها.
اخيرا اوجه العتب باندهاش وحيرة للرافضين عضوية العراق وأتساءل: ان كانت الثقافة, اي الادب, والفن, والرقي الروحي, تـُسيس من قبل النخبة بهذا الشكل العنيف, فماذا بقي لنا من أمل بالمجتمعات العربية بعد؟
وكيف نطالب الشعوب العربية التي تنتشر الأمية بين صفوفها ان تنظر لمعاناتنا, والنخبة العربية رافضة حتى الاستماع لما يصيب شعبنا العراقي بالكامل برفضها للمثقفين العراقيين الذين يعكسون واقعنا المرير؟..
منقول عن
* شاعرة وكاتبة عراقية