وعندما أصبح زياد بن أبيه حاكماً على الكوفة، راح يطارد أصحاب الإمام ويقتلهم الواحد بعد الآخر بأوامر معاوية الحاقد على الإمام علي وأصحابه، فكان يأمر بشتم الإمام فوق المنابر كلّ يوم.
ذات يوم جاء اهل السوق إلى ميثم واشتكوا عنده مما يلاقونه من الظلم، وقالوا له:
ـ انهض معنا إلى الأمير نشكو إليه عامل السوق، ونسأله أن يعزله ويولّي علينا غيره.
مضى ميثم معهم فدخل القصر وحدّث الوالي مما يعانيه الباعة في السوق.
كان أحد الجلاوزة من الحاقدين قد غاظه منطق ميثم وشجاعته فقال:
ـ أتعرف هذا أيها الأمير؟ انّه الكذاب مولى الكذّاب.
كان يعني أنّه أحد أصحاب الإمام علي عليه السَّلام.
قال ميثم:
ـ بل أنا الصادق مولى الصادق أمير المؤمنين حقّاً.
كان حبيب بن مظاهر صحابياً جليل القدر لازم الإمام بعد وفاة سيّدنا محمّد صلى الله عليه وآله وكان من حواريه أي من أقرب أصحابه ذات يوم مرّ ميثم وكان راكباً فرساً بمجلس لبني أسد، وكان حبيب بن مظاهر هو الآخر راكباً فرساً أيضاً قادماً من الجهة المقابلة فتقابلا أمام بني أسد فتحدّثا قليلاً وكان بنو أسد يصغون إليهما.
قال حبيب مبتسماً:
ـ لكأني بشيخ أصلح ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صلب في حبّ أهل بيت نبيّه.
فقال ميثم:
ـ وأنا أعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه فيقتل ويجال برأسه بالكوفة.
افترق الصديقان، وظل بنو أسد يتهامسون فقالوا:
ـ ما رأينا أكذب من هذين.
وفي الأثناء مرّ "رشيد الهجري" وكان صديقاً لهما وهو من حواري الإمام علي أيضاً فسأل عنهما، فقالوا:
ـ كانا هنا ثم افترقا.. وقد سمعناهما يقولان كذا وكذا.
ابتسم رشيد وقال:
ـ رحم الله ميثماً لقد نسي أن يقول: ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم. ومضى رشيد فيما ظل بنو أسد متعجبين منه فقالوا:
ـ وهذا والله أكذب منهما.
وتمرّ الأيام حتى إذا حلّ شهر المحرّم من سنة إحدى وستين للهجرة رأوا رأس حبيب بن مظاهر فوق رمح طويل يطوف به جلاوزة ابن زياد في شوارع الكوفة.
*******
القافلة
عندما مات معاوية بن أبي سفيان جاء إلى الحكم بعده ابنه يزيد، وكان يزيد شاباً في الثلاثين من عمره، يشرب الخمر ويقضي وقته في اللعب واللهو مع الكلاب والقرود.
لهذا امتنع الإمام الحسين عن مبايعته لأنّه ليس أهلاً للخلافة وإدارة شؤون المسلمين. وكان أهل الكوفة قد ملّوا ظلم معاوية فأرسلوا إلى الإمام الحسين لكي يأتي إليهم ويخلّصهم من ظلم بني أُمية.
نقل الجواسيس ما يجري في الكوفة إلى يزيد، وكان يزيد يستشير "سرجون" وهو رجل نصراني يحقد على المسلمين.
أشار سرجون في تعيين عبيد الله بن زياد حاكماً على الكوفة إضافة إلى البصرة.
*******
السجن
عندما وصل عبيد الله بن زياد الكوفة بدأ بحملة اعتقالات واسعة وزجّ الكثير من المسلمين في السجون، خاصّة أصحاب الإمام علي والذين يؤيدون الإمام الحسين عليه السَّلام.
و كان مصير ميثم السجن، وتلا ذلك اعتقال المختار الثقفي وعبد الله بن الحارث فكانوا في زنزانة واحدة.
عندما وقعت مذبحة كربلاء وقتل سبط النبي صلى الله عليه وآله وصل الخبر إلى السجناء فتألموا.
قال المختار لصاحبيه في السجن ميثم التمار وعبد الله بن الحارث:
ـ استعدا للقاء الله، فهذا الظالم لن يتورّع عن قتل الناس جميعاً بعدما قتل الحسين.
فقال عبد الله بن الحارث:
ـ نعم إن لم يقتلنا اليوم فسيقتلنا غداً.
فقال ميثم:
ـ كلا لن يقتلكما.
والتفت إلى المختار وقال:
ـ أخبرني حبيبي علي عليه السَّلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّك ستخرج وستثأر من قتلة الحسين وأنصاره وتطأ بقدمك رأس الطاغية عبيد الله بن زياد.
ثم قال لعبد الله بن الحارث:
ـ وأما أنت فستخرج وتتولّى حكم البصرة.
*******
الإيمان
لقد وهب الله ميثماً إيماناً عميقاً، فكان صلِباً لا يخاف الظالمين. كان الناس يخافون من عبيد الله بن زياد ويرتعدون أمامه، اما ميثم التمار فكان ينظر إليه بدون اكتراث.
في زمن معاوية وابنه يزيد كان حبّ الإمام علي عليه السَّلام جريمة كبرى، يعاقبون عليها كلّ من يتهم بها.
فكان الشرطة يطاردون أصحاب الإمام، يهدمون دورهم ويلقونهم في السجن أو يقتلونهم.
كان الإمام علي يعرف ذلك، لهذا أوصى أصحابه.
فقد قال لميثم ذات يوم:
ـ كيف أنت يا ميثم إذا دعاك بنو أمية إلى البراءة مني.
قال ميثم:
ـ والله لا أبرأ منك.
كان ميثم يعتقد أن البراءة من الإمام يعني براءة من الإسلام، والبراءة من الإسلام يعني الكفر.
فقال الإمام:
ـ إذن والله تقتل وتصلب.
قال ميثم:
ـ أصبر فان هذا في سبيل الله قليل.
فقال الإمام:
ـ ستكون معي في الجنة.
مرقد الصحبي الجليل ميثم التمار