في وقت الغروب، وعلى إحدى طرق القرية كنت أمشي مع صديقي الشيعي، حيث كان لا يأتي علينا يوم إلا ويحتد النقاش بيننا. تمنيت في وقتها أن يصبح هذا الصديق سنيا، وعزمت أن أنقله من مذهبه إلى المذهب الشافعي!!
وجرت الأيام والتحقت بكلية الشريعة، وفي الدروس كان مشايخنا يتطرقون إلى الشيعة، وكان البعض منهم يكفرهم.
ومع أنني كنت على المذهب الشافعي، إلا أنني بدأت أتأثر بما يطرحه أساتذتي السلفيون، فيما يختص بالعقيدة، فصرت أردد معالم العقيدة السلفية - مقتنعا بها - وكنت أعرض هذه العقيدة مع ذكر الأدلة على صديقي الشيعي. وما يقال عن الشيعة في قاعة الدرس من تهم ضدهم، لكي أبدأ بهدايته!! لكنه كان يرد علي بكل قوة.
وذات يوم وفي أثناء مسيرنا وبينما كنت احدثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني قائلا - كالمنتصر -: رزية الخميس!
قلت: خيرا ماذا تقصد؟
قال: إنها حادثة كانت قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأيام، حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: (هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده). فقال عمر: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلب عليه الوجع، أو يهجر، حسبنا كتاب الله!!
فقلت له: هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق، الذي ما عصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قط؟!!
قال: تجد هذه الحادثة في صحيحي البخاري ومسلم (1).
عندئذ يئست من جوابه وشعرت بالهزيمة، وقلت فورا: وإن قال ذلك، فهو يبقى صحابيا!! أسأل الله الغفران... عبارة لم تأت صدفة، ولكنها تعبير عن عقيدة ترسخت في نفوسنا. وسألته: في أي كتاب قرأت هذه الحادثة؟ لأنني وإن وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف، لكنني كنت أتمزق ألما.
فقال: في كتاب " ثم اهتديت " لأحد علمائكم الذين تشيعوا.
قلت ساخرا: وهل هناك عالم من علمائنا تشيع.
قال: نعم، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيع وأسباب تشيعه.
وطلبت الكتاب منه، وبدأت بقراءته فور وقوعه بين يدي، ورزية الخميس تدور في ذهني وكنت أتوجس خيفة من عثوري عليها.
فأخذتني قصة الكاتب الممتعة وأسلوبه الجذاب، وقرأت نصوص إمامة آل البيت (عليهم السلام)، ومخالفات الصحابة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورزية الخميس...، والمؤلف يوثق كل قضية من صحاحنا المعتبرة. فدهشت لما أقرأ وشعرت أن كل طموحاتي انهارت وسقطت أرضا، وحاولت إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا.
1 - راجع الحادثة في صحيح البخاري، كتاب المرض والطب، باب قول المريض قوموا عني. صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ترك الوصية. طبقات ابن سعد 2 / 37...
وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة، وبدأت برزية الخميس، فوجدتها مثبته في صحيحي مسلم والبخاري بطرق عدة.
وكان أمامي احتمالان: إما أن أوافق عمر على قوله، فيكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يهجر - والعياذ بالله - وبهذا أدفع التهمة عن عمر. وإما أن ادافع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقر بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيما بحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى طردهم. وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما رددتها وافتخرت بها أمامه.
وسألني صديقي عن صحة ما في الكتاب فقلت وقلبي يعتصره الألم: نعم، صحيح.
بقيت فترة حائرا تأخذني الأفكار شرقا وغربا، وعرض علي صديقي كتاب " لأكون مع الصادقين " لمؤلفه التيجاني وكتابه " فسئلوا أهل الذكر " وغيرها، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة وزادت حيرتي وشكي.
وحاولت إيقاف حيرتي، بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق، لكنها لم تنفعني بل زادتني بصيرة بأحقية مذهب أهل البيت (عليهم السلام). وقرأت كتبا كثيرة، لا يسعني ذكرها، فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة، التي كان عقلي يقف مبهورا محتارا أمامها، فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها.
إلى أن اكتملت صورة الحقيقة في ذهني كالشمس في رابعة النهار، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار (عليهم السلام) أبناء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأشقاء القرآن، وأولياء الرحمن، سفن النجاة، وأعلام الورى، ورحمة الله للملأ، بكل قناعة واطمئنان قلب.
وها أنا الآن - وبعد تخرجي من كلية الشريعة - على يقين تام بصحة ما أنا عليه. أقول هذه الكلمات ويمر بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي
وأهله، وإذا بالصورة قد انعكست، فكان هو سبب هدايتي، وفقه الله.
ولا أنسى تلك اليد - يد الرحمة الإلهية - التي كانت تعطف علي باستمرار أيما عطف. فلك الحمد رباه حمدا يليق بجلالك العظيم ومنك الجسيم.