الرحمة الإلهية تسبق الغضب
وهي مصداق لقوله تعالى ( سبقت رحمته غضبه)
هناك شواهد قاطعة على أسبقية الرحمة وغلبتها على الغضب الإلهي، وتتجلّى هذه الصفة العامة من خلال عدة أصول حاكمة في نظام الكون:
أصل التطهير:
من مظاهر رحمة الله وجود التطهير في نظام الوجود، والتطهير في الكون يشمل عالمين:
1- عالم الطبيعة والمادة: ومن مظاهر ذلك امتصاص النباتات والبحار لغاز ثاني أكسيد الكربون من الجوّ لتصفيته، ولو تلّوث الجوّ ولم يكن ثمّة مصفاة أو مطهّر لفقدت الأرض صلاحيتها للحياة قاطبة.
2- عالم المعنويات: والمغفرة هي عبارة عن تطهير القلوب والأرواح من أثار الذنوب، طالما هي تقدر على إزالة وغسل درن الذنوب، وإلا فإن بعض القلوب قد صدأت ولا تقدر المغفرة أن تؤثر فيها لانعدام قابليتها للتطهير وللتأثر، ولذا يعبر القرآن عن بعض الحالات بالختم: قال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (البقرة:7)
أصل السلامة:
إن من شواهد غلبة الرحمة على الغضب في نظام الكون، هو أن السلامة والصحة هي الأصل دائماً في الكون، وهذا الأمر نلاحظه في العالمين أيضاً.
1- في عالم المادة: أمّا في عالم المادة فنجد أن المرض هو الحالة الطارئة والتي تأتي ثم تزول، وكذلك نلاحظ خصوصية في جسم الإنسان وهي قابليته لترميم العظام فيما لو حصل كسرٌ ما، ووجود جهاز المناعة في الجسم من أي عنصر أو عامل غريب يدخل إلى الجسم.
2- وأما في عالم المعنويات: فتنص الروايات على كون الأصل في الإنسان هو السير في طريق الخير والهدى ففي الحديث(كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه)
أصل شمولية الرحمة:
إن المغفرة ليست ظاهرة استثنائية، وإنما هي قانون كليّ مستنتج من غلبة الرحمة في نظام الوجود، فالرحمة الإلهية تشمل جميع الموجودات في الكون في حدود قابلياتها، ونحن نشاهد أن أقرب الناس إلى الله، أي الأنبياء (ع) يطلبون من الله أن يرحمهم برحمته، وهذا يشهد على شمول أصل الرحمة أكبر وأكثر، ويستضيء بنور الرحمة وأسماء الله الحسنى وصفاته الكمالية بشكل أفضل.
علاقة المغفرة بالشفاعة:
من خلال ما تقدّم يمكن أن نستنتج التالي: إن الرحمة والمغفرة هي من القوانين الإلهية في هذا الكون، وهنا نقول إن هذه الرحمة الإلهية لا بدّ أن تصل إلى المخطئين والمذنبين، لكن ينبغي أن يكون للرحمة قانون وسبيل تسير عليه. وبضمّ أن التفاوت والاختلاف في هذا العالم ذاتي لا اعتباري، وأنه لا بدّ منه في هذا الكون، نفهم قانون هذه الرحمة، وأنها تشمل المذنبين والمخطئين لكن ليس مباشرة، وإنما يجب أن تمرّ بالأنبياء والأولياء وأصحاب الأرواح الكبيرة، وهذا أمر من لوازم وجود نظام في هذا الكون.
ويمكن توضيحه بملاحظة مسألة الوحي والنبوة، فإنّ إرسال الله للرسل هو من مظاهر الرحمة الإلهية، ولكن لا يمكن أن يكون الناس كلّهم أنبياء، فلا بد من وجود خاصّة من الناس يكونون هم الواسطة في نزول الرحمة الإلهية بالوحي، فكذلك الرحمة والمغفرة الإلهية لا بدّ وأن تتمّ عبر واسطة، لأن هذا ما يفرضه نظام الكون.