كيف نكون من الفائزين تقدّمَ أنّ الفوزَ الحقيقيَ هو الفوزُ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى، وما عدا ذلكَ فليسَ بفوزٍ، فيأتي هنا السؤالُ التالي: كيفَ نَكونُ مِنَ الفائزينَ عندَ اللهِ تعالى ؟ الجواب: لا يُدرَكُ ذلكَ إلاّ بتحقيقِ الغايةِ التي مِنْ أجلِها خُلِقَ الإنسانُ، والمتمثّلةُ في العبوديةِ التامةِ للهِ سبحانه وتعالى، والطاعةِ لهُ في أوامرِهِ ونواهيهِ. وهذا القرآنُ الكريمُ يبيّنُ لنا أسبابَ الفوزِ والغنيمةِ, حيثُ قالَ في سورةِ النور: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )[1]، فذكرتْ هذهِ الآيةُ الكريمةُ ثلاثَ صفاتٍ للفائزينَ، وهي طاعةُ اللهِ ورسولهِ صلى الله عليه وآله فيما أمرا بهِ ونهيا عنه، وخشيةُ عقابِ اللهِ سبحانه وتعالى في تَركِ أوامرِهِ وارتكابِ نَواهيهِ، وتَقوى اللهِ جلّ وعلا فيما بعد[2]، وذلك بالبعدِ عن المعاصي والآثامِ، فمَن كانَ بهذا الوصفِ وعلى هذه الحال فإنّه يكونُ من الفائزينَ كما أخبرَ اللهُ سبحانه وتعالى بذلك. وقال تعالى في آيةٍ ثانيةٍ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )[3]. فمتى ما أطاعَ الإنسانُ اللهَ ورسولََهُ، وأخذَ بما جاءا بهِ، كانَ من الفائزينَ لدى اللهِ عزّ وجل، أمّا مَن أطاع غيرَهما مِمّن يضلهُم عن سبيلِ اللهِ فقد أخبرَ القرآنُ الكريمُ قبلَ بضعِ آياتٍ أنّ جزاءَهُم نارُ جهنم ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا )[4]. وقال تعالى في آيةٍ ثالثةٍ: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ )[5] . فبعدَ أن صحَّ منهم الإيمانُ, وهَجَروا الأهلَ وتَركوا الأوطانَ, وجاهدُوا بالمالِ والأبدانِ إمتثالاً لأوامرِ اللهِ ورسولِهِ؛ جازاهُمُ اللهُ عزّ وجل بالرحمةِ العظيمةِ التي لا يُُقدّرُ قَدرُها، وبالنعيمِ الذي لا يَزولُ ولا يَنفذُ، وبالخلودِ في الجنانِ الذي لا يَنقطعُ بأجلٍ ولا أمد[6]. وغيرُ ذلكَ مِنَ الآياتِ الكريمةِ التي بيّنتْ أنّ تَقوى اللهِ وخشيتهِ،ِ وتَحمّلِ الأذى في سبيلِهِ، وطاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ مدعاةً للفوزِ لديهِ سبحانه وتعالى. وكذلكَ تُوجدُ هناكَ الكثيرُ مِنَ الرواياتِ الشريفةِ التي تَدلُّ على المعنى المتقدّم، منها: ما رُويَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه واله أنّهُ قالَ: (خصلةٌ مَنْ لزمَها أطاعتْهُ الدُّنيا والآخرةُ، وربحَ الفوزَ في الجنّةِ. قِيلَ: ما هيَ يا رسولَ اللهِ ؟ قالَ: التقوى ... )[7] وعنِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ عليّ بنِ أبي طالبٍ عليهما السلام أنّهُ قالَ: ( ففي اتباعِ ما جاءَكُم مِنَ اللهِ الفوزُ العظيمُ، وفي تَركِهِ الخطأُ المبينُ )[8]. وعنه عليه السلام: ( والتقوى غايةٌ لا يَهلكُ مَنْ تَبعها، ولا يَندمُ مَنْ يَعملُ بِها؛ لأنّ بالتقوى فازَ الفائزونَ، وبالمعصيةِ خسرَ الخاسرونَ، فليزدجرْ اُولوا النُهى، وليتذكّرْ أهلُ التقوى )[9]. وعنه عليه السلام أيضاً: ( بالطاعة يكون الفوز )[10] وقال السروجي: ( عليك بتقوى الله ما عشت انه * لك الفوز من نار تقاد باغلال )[11] حقيقةٌ لا بدّ مِن ذِكرِها كما أنّ الطاعةَ للهِ ولرسولِهِ واجبةٌ كذلكَ طاعةُ الأئمةِ ـ الذين سمّاهم النبيُّ بأسمائهم، ولقّبَهم بالقابِهم، أولُهم أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ عليهما السلام، وآخرُهُم الحجةُ بنُ الحسنِ عجّل اللهُ فرجَه الشريف ـ أيضاً واجبةٌ، وقد دلّتِ النصوصُ الكثيرةُ على ذلك، سواء من القرآنِ أو السنةِ الشريفةِ، فمِن القرآنِ الكريمِ ـ على سبيلِ المثالِ ـ قولُهُ تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )[12]، فقد قرن الله عزّ وجل طاعتَهُ بطاعةِ رسولِهِ واُولي الأمرِ، وهم الأئمةُ المعصومون عليهم السلام[13]. ومِنَ السُنّةِ، فهناكَ الكثيرُ منَ الرواياتِ المنقولةِ في كتبِ السنةِ والشيعةِ، والتي تدلُّ على وجوبِ طاعةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام، والتمسُكِ بِهم، فمنها ـ على سبيلِ المثالِ أيضاً ـ ما نقلَهُ أحمدُ بنُ حنبل في مسندِهِ وبسندِهِ عن أبي سعيدٍ الخُدري، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه واله أنّه قالَ: ( إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي، كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إلى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُونِي بِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا )[14]. وعليهِ فمَن أرادَ أن يَكونَ مِنَ الفائزينَ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى فعليهِ التمسكُ بأهلِ البيت عليهم السلام والطاعةِ لهم، ولا يكونُ ذلكَ إلاّ بولايتِهم، والتَبري مِنْ أعدائِهم، فقد جاءَ في الزيارةِ الجامعةِ التي يُزارُ بِها أئِمةُ أهلِ البيتِ عليهم السلام، وهي الزيارةُ والمرويةُ عن الإمامِ علي الهادي عليه السلام: ( آتاكُمُ اللهُ ما لمْ يُؤتِ أحداً مِنَ العالمينَ، طأطأ كلُّ شريفٍ لِشرفِكُم، وبَخَعَ كلُّ مُتكبّرٍ لِطاعتِكُم، وخَضَعَ كلُّ جبّارٍ لِفضلِكُم، وذَلَّ كلُّ شيءٍ لكم، وأشرقتِ الأرضُ بِنورِكُم، وفازَ الفائزونَ بولايتِكم، بِكُم يُسلَكُ إلى الرضوان، وعلى مَنْ جَحدَ ولايتَكُم غَضبُ الرحمن )[15] وصدقَ الشاعرُ[16] حينما قالَ: ( أنتُم دلائلُنا أنتُم وسائلُنا * أنتُم إلى الفوزِ بِالرضوانِ هادُونا )[17] كما تُوجدُ الكثيرُ مِنَ الرواياتِ التي تَدلُّ على أنّ الإمامَ عليَّ بنِ أبي طالبٍ عليهما السلام وشيعتَهُ هُمُ الفائزونَ يومَ القيامةِ، وبالتالي فمَنْ أرادَ أن يكونَ مِنَ الفائزينَ فليوالي علياً عليه السلام، وهذه الرواياتُ متواترةٌ وصحيحةٌ، وقد نُقِلتْ بعدّةِ طُرُقٍ، فمِنها مثلاً: ما رَواهُ ابنُ عساكر في كتابهِِ (تاريخ مدينة دمشق)، عن أبي سعيدٍ الخُدري أنَّه قالَ: ( نَظرَ النبيُّ صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى عليٍّ فقالَ: هذاوشيعَتُهُ هُمُ الفائزونَ يومَ القيامةِ )[18]. [1] ـ النور: 52. [2] ـ راجع تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج7، ص264. [3] ـ الأحزاب: 70، 71. [4] ـ الأحزاب: 67. [5] ـ التوبة: 20، 21. [6] ـ راجع تفسير الميزان العلامة الطباطبائي،ج9، ص212. [7] ـ كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي، ص184. [8] ـ تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، ج1، ص7. [9] ـ تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص164. [10] ـ عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص188. [11] ـ مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3، 454. [12] ـ النساء: 59. [13] ـ فقد دلت النصوص الكثيرة على أنّ المراد من اولي الامر هم الائمة المعصومون، راجع في ذلك كتاب الكافي للشيخ الكليني، ج1 ، ص187، باب فرض طاعة الأئمة. وغيره من المصادر. [14] ـ مسند أحمد، احمد بن حنبل، ج3، ص17. [15] ـ من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج2، ص615، 616. [16] ـ الشاعر هو محمد رفيع بن مؤمن الجيلي. [17] ـ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج45، ص269. [18] ـ تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج42، ص333.